ومن خطبة له (عليه السلام)
[يحمدالله ويثني على نبيّه ويعظ]
[حمدالله]
الْحَمْدُ لله الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ، وَجَلاَلِ كِبْرِيَائِهِ، مَا حَيَّرَ مُقَلَ[١] الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدرَتِهِ، وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ[٢] عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ.
[الشهادتان]
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، شَهَادَةَ إِيمَان وَإِيقَان، وَإِخْلاَص وَإِذْعَان.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ وَأَعْلاَمُ الْهُدَى دَارِسَةٌ، وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ[٣]، فَصَدَعَ[٤] بِالْحَقِّ، وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ[٥]،(صلى الله عليه وآله وسلم).
[العظة]
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلاً، عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، وَأَحَصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ، فَاسْتَفْتِحُوهُ[٦] وَاسْتَنْجِحُوهُ[٧]، وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ[٨]، فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ، وَلاَ أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ، وَإِنْهُ لَبِكُلِّ مَكَان، وَفِي كُلِّ حِين وَأَوَان، وَمَعَ كُلِّ إِنْس وَجَانّ، لاَ يَثْلِمُهُ[٩] الْعَطَاءُ، وَلاَ يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ[١٠]، وَلاَ يَسْتَنْفِدُهُ[١١] سَائِلٌ، وَلاَ يَسْتَقْصِيهِ[١٢] نَائِلٌ، وَلاَ يَلْوِيهِ[١٣] شَخْصٌ عَنْ شَخْص، وَلاَ يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْت، وَلاَ تَجْجُزُهُ هِبَهٌ عَنْ سَلْب، وَلاَ يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَة، وَلاَ تُوَلِّهُهُ[١٤] رَحْمَةٌ عَنْ عِقَاب، وَلاَ يُجِنُّهُ[١٥] الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ، وَلاَ يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ، قَرُبَ فَنأَى، وَعَلاَ فَدَنَا، وَظَهَرَ فَبَطَنَ، وَبَطَنَ فَعَلَنَ، ودَانَ[١٦] وَلَمْ يُدَنْ، لَمْ يَذْرَاَ[١٧] الْخَلْقَ بِاحْتِيَال[١٨]، وَلاَ اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلاَل[١٩].
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا الزِّمَامُ[٢٠] وَالْقِوَامُ[٢١]، فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا، وَاعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا، تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ[٢٢] الدَعَةِ[٢٣]، وَأَوْطَانِ السَّعَةِ، وَمَعَاقِلِ[٢٤] الْحِرْزِ[٢٥]، وَمَنَازِلِ الْعِزِّ في (يَوْم تَشْخَصُ فِيهِ الاَْبْصَارُ)، وَتُظْلِمُ لَهُ الاَْقْطَارُ، وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ[٢٦] الْعِشَارِ[٢٧]، وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَة، وَتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَة، وَتَذِلُّ الشُّمُّ[٢٨] الشَّوَامِخُ[٢٩]، وَالصُّمُّ[٣٠] الرَّوَاسِخُ[٣١]، فَيَصِيرُ صَلْدُهَا[٣٢] سَرَاباً[٣٣] رَقْرَقاً[٣٤]، وَمَعْهَدُهَا[٣٥] قَاعاً[٣٦] سَمْلَقاً[٣٧]، فَلاَ شَفِيعٌ يَشَفَعُ، وَلاَ حَمِيمٌ يَنْفَعُ، وَلاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ.