وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
بَابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين(عليه السلام) * ١٢١-١٥٠

١٢١. وقال (عليه السلام): عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ[١] الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الاْخِرَةِ حِسَابَ الاَْغْنِيَاءِ.

وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالامْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً.

وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ.

وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى.

وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الاُْخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الاُْولَى.

وَعَجِبْتُ لِعَامِر دَارَ الْفَنَاءِ، وَتَارِك دَارَ الْبَقَاءِ.

١٢٢. وقال (عليه السلام): مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لله فِيمَنْ لَيْسَ لله فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.

١٢٣. وقال (عليه السلام): تَوَقَّوا الْبَرْدَ[٢] فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ[٣] فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الاَْبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الاَْشْجَارِ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَآخِرُهُ يُورقُ[٤].

١٢٤. وقال (عليه السلام): عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْـمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.

١٢٥. وقال (عليه السلام) وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ[٥]، وَالْـمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ[٦]، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ.

يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ[٧] سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ[٨] لاَحِقٌ.

أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الاَْزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الاَْمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ.

هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟

ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لاََخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)

١٢٦. وقال (عليه السلام) وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ للدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُرِهَا، [الْـمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ]ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ[٩] عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ[١٠]، أَمْ مَتى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ[١١] مِنَ الْبِلَى[١٢]، أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى[١٣]؟ كَمْ عَلَّلْتَ[١٤] بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الاَْطِبَّاءَ[١٥]، لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ[١٦]، وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطِلْبَتِكَ[١٧]، وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ[١٨]، وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ.

إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا[١٩]، وَدَارُ مَوْعِظَة لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَاالرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ.

فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ[٢٠] بِبَيْنِهَا[٢١]، وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ[٢٢] نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ،شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِيَة[٢٣]، وَابْتَكَرَتْ[٢٤] بِفَجِيعَة[٢٥]، ترغِيباً وَتَرْهِيباً، وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فَذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.

١٢٧. وقال (عليه السلام): إِنَّ لله مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْم: لِدُوا[٢٦] لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.

١٢٨. وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ إلى دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَاعَ نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا[٢٧]، وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ[٢٨] فَأَعْتَقَهَا.

١٢٩. وقال (عليه السلام): لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَث: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.

١٣٠. وقال (عليه السلام): مَنْ أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الاِْجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاِْسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ.

وتصديقُ ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ عزوجل في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال في الاستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَة ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب فأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)

١٣١. وقال (عليه السلام): الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيف، وَلِكُلِّ شَيْء زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ[٢٩].

١٣٢. وقال (عليه السلام): اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.

١٣٣. وقال (عليه السلام): تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.

١٣٤. وقال (عليه السلام): مَا عَالَ[٣٠] امرؤٌ اقْتَصَدَ.

١٣٥. وقال (عليه السلام): قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ، وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ.

١٣٦. وقال (عليه السلام): يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ أجْرُهُ[٣١].

١٣٧. وقال (عليه السلام): كَمْ مِنْ صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الاَْكْيَاسِ[٣٢] وَإِفْطَارُهُمْ!

١٣٨. وقال (عليه السلام): سُوسُوا[٣٣] إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.

١٣٩. ومن كلام له (عليه السلام) لكُمَيْل بن زياد النخعي:

قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فأخرجني إلى الجبّان[٣٤]، فلمّا أصحر[٣٥] تنفّس الصّعَدَاء[٣٦]، ثمّ قال:

يَا كُمَيْل بْن زِيَاد، إِنَّ هذهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ[٣٧]، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا[٣٨]، فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:

النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ[٣٩]، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاة، وَهَمَجٌ[٤٠] رَعَاعٌ[٤١]، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق[٤٢]، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق.

يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو[٤٣] عَلَى الاِْنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.

يَا كُمَيْل بْن زِيَاد، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الاِْنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الاُْحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

يَا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الاَْمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ،أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.

هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً[٤٤]! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً[٤٥] غَيْرَ مَأْمُون عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ[٤٦]، لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ[٤٧]، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لاَِوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَة.

أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً[٤٨] بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ[٤٩] للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً[٥٠] بِالْجَمْعِ وَالاِْدِّخَارِ[٥١]، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْء، أَقْرَبُ شَيْء شَبَهاً بِهِمَا الاَْنَعَامُ[٥٢] السَّائِمَةُ[٥٣]! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ.

اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الاَْرْضُ مِنْ قَائِم لله بِحُجَّة، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أوْ خَائِفاً مَغْمُوراً[٥٤]، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.

وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا[٥٥] مَا اسْتَوْعَرَهُ[٥٦] الْمُتْرَفُونَ[٥٧]، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْـمَحَلِّ الاَْعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ!

انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.

١٤٠. وقال (عليه السلام): الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.

١٤١. وقال (عليه السلام): هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.

١٤٢. وقال (عليه السلام) لرجل سأَله أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الاْخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيُرَجِّي التَّوْبَةَ[٥٨] بِطُولِ الاَْمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ[٥٩] عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ لَهُ، إِنْ سَقِمَ[٦٠] ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءُ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ[٦١]، يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ[٦٢] وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ[٦٣] وَوَهَنَ[٦٤]، يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ[٦٥] الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ[٦٦] التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ[٦٧] انْفَرَجَ[٦٨] عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ[٦٩]، يَصِفُ الْعِبْرَةَ[٧٠] وَلاَ يَعْتَبرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلاَ يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ[٧١]، وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيَما يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيَما يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ[٧٢] مغْرَماً[٧٣]، وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يخشَى الْمَوْتَ وَلاَ يُبَادِرُ[٧٤] الْفوْتَ[٧٥]، يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الاَْغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ غَيْرَهُ يُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلا يُوفِي، وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ.

ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصر و، عبرةً لناظر مفكّر.

١٤٣. وقال (عليه السلام): لِكُلِّ امْرِىء عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ.

١٤٤. وقال (عليه السلام): لِكُلِّ مُقْبِل إِدْبَارٌ، وَمَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.

١٤٥. وقال (عليه السلام): لاَ يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وَإِنْ طَالَ بِهِ الزَّمَانُ.

١٤٦. وقال (عليه السلام): الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَعَلَى كُلِّ دَاخِل فِي بَاطِل إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ.

١٤٧. وقال (عليه السلام): اعْتَصِمُوا[٧٦] بِالذِّمَمِ[٧٧] فِي أَوْتَادِهَا[٧٨].

١٤٨. وقال (عليه السلام): عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لاَ تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِ[٧٩].

١٤٩. وقال (عليه السلام): قَدْ بُصّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ[٨٠]، وَقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وأُسْمِعْتُمْ إِنِ اسْتَمَعْتُمْ.

١٥٠. وقال (عليه السلام): عَاتِبْ أَخَاكَ بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالاِْنْعَامِ عَلَيْهِ.

---------------------------------------------------
[١] . البخيل يستعجل الفقر: يريد أنه يهرب من الفقر. بجمع المال، وتكون له الحاجة فلا يقضيها، ويكون عليه الحق فلا يؤديه.
[٢] . تَوَقّوا البرد أي: احفظوا أنفسكم من أذاه.
[٣] . تَلَقّوه: استقبلوه.
[٤] . آخِرُه يُورِق: لان البرد في آخره يمس الابدان بعد تعودها عليه، فيكون عليها أخف.
[٥] . المُوحِشة: الموجبة للوَحْشَة ضد الانس.
[٦] . المَحَالّ ـ جمع مَحَلّ ـ أي: الاركان المُقْفِرة، من أقفر المكان: إذا لم يكن له ساكن ولا نابت.
[٧] . الفَرَط ـ بالتحريك ـ: المتقدّم إلى الماء، للواحد وللجمع، والكلام هنا على الاطلاق، أي المتقدمون.
[٨] . التَبَع ـ بالتحريك ـ: التابع.
[٩] . تَجَرّمَ عليه: ادّعى عليه الجُرْم ـ بالضم ـ أي الذنب.
[١٠] . استهواه: ذهب بعقله وأذله فحيره.
[١١] . المَصارِع: جمع المَصْرَع، وهو مكان الانصارع أي السقوط، أي مكان سقوط آبائك من الفناء.
[١٢] . البِلى ـ بكسر الباء ـ: الفناء بالتحلل.
[١٣] . الثَرَى: التراب.
[١٤] . عَلّل المريض: خدمه في علته ـ كمرّضهُ ـ خدمه في مرضه.
[١٥] . اسْتَوْصَفَ الطبيبَ: طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء.
[١٦] . إشفاقك: خوفك.
[١٧] . الطِلْبَة ـ بالكسر وبفتح فكسر ـ: المطلوب، وأسعفه بمطلوبه: أعطاه إياه على ضرورة إليه.
[١٨] . مَثّلَتْ لك به الدنيا نَفْسَك أي: أن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالاً لنفسك تقيسها عليه.
[١٩] . تزَوّدَ أي: أخذ منها زاده للاخرة.
[٢٠] . آذَنَتْ ـ بمد الهمزة ـ أي: أَعلمت أهلها.
[٢١] . بَيْنها أي: بُعدها وزوالها عنهم.
[٢٢] . نَعَاه: إذا أخبر بفقده.
[٢٣] . راح إليه: وافاه وقت العشي، أي أنها تمشي بعافية.
[٢٤] . تَبْكِر أي: تصبح.
[٢٥] . فَجِيعة أي: مصيبة فاجعة.
[٢٦] . لِدُوا: فعل أمر من الولادة لجماعة المخاطبين.
[٢٧] . أوْبَقَها: أهلكها.
[٢٨] . ابْتَاع نفسه: اشتراها وخلصها من أسر الشهوات.
[٢٩] . حُسْنُ التَبَعّل: إطاعة الزوج.
[٣٠] . عَالَ: افتقرَ.
[٣١] . حبِطَ أجره: بطل، لانه يحرم ثوابه.
[٣٢] . الاكياس ـ جمع كَيّس بتشديد الياء ـ أي: العقلاء العارفون يكون نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم.
[٣٣] . سُوسُوا: أمر من السياسة، وهي حفظ الشيء بما يَحُوطه من غيره، والصدقة تستحفظ الشفقة، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر الله.
[٣٤] . الجَبّان ـ كالجَبّانة ـ: المقبرة.
[٣٥] . أصْحَرَ أي: صار في الصحراء.
[٣٦] . تنفّسَ الصُعَدَاء أي: تنفس تنفساً ممدوداً طويلاً.
[٣٧] . أوْعِيَة: جمع وِعاء، وهو الاناء وما أشبهه.
[٣٨] . أوْعَاها: أشدّها حفظاً.
[٣٩] . العالم الرَبّانيّ: العارف بالله، المنسوب إلى الرب.
[٤٠] . الهَمَج ـ محركة ـ: الحمقى من الناس.
[٤١] . الرَعَاع ـ كَسَحاب ـ: الاحْداث الطَغام الذين لا منزلة لهم في الناس.
[٤٢] . الناعق: مجاز عن الداعي إلى باطل أو حقّ.
[٤٣] . يَزْكُو: يزداد نماءً.
[٤٤] . الحَمَلَة ـ بالتحريك ـ: جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت، أي لو وجدت له حاملين لابرزته وبثثته.
[٤٥] . اللَقِنُ ـ بفتح فكسر ـ: من يفهم بسرعة.
[٤٦] . المُنْقادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحق وخفاياه، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لاقل شبهة.
[٤٧] . في أحنائه أي: جوانبه، ومفردها حِنْو.
[٤٨] . المَنْهوم: المُفْرِط في شهوة الطعام.
[٤٩] . سَلِس القِياد: سَهْلُه.
[٥٠] . المُغْرَم ـ بالجمع ـ: المُولّع بجمع المال.
[٥١] . ادّخار المال: اكتنازه.
[٥٢] . الانْعَام: البهائم.
[٥٣] . السائمة: التي ترسل لترعى من غير أن تُعْلَف.
[٥٤] . مغموراً: غمره الظلم حتى غطّاه فهو لا يظهر.
[٥٥] . اسْتَلانُوا: عدّوا الشيء ليناً.
[٥٦] . اسْتَوْعَرَه: عدّه وعْراً خَشِناً.
[٥٧] . المُتْرَفُون: أهل الترف والنعيم.
[٥٨] . يُرَجِّي التوبة ـ بالتشديد ـ أي: يؤخر التوبة.
[٥٩] . يُقيم على الشيء: يداوم على إتيانه.
[٦٠] . سَقِمَ: مَرِض.
[٦١] . يَسْتَيْقِن: يكون على ثقة ويقين.
[٦٢] . بَطِرَ ـ كفرح ـ: اغتر بالنعمة، والغرور فتنة.
[٦٣] . القنوط: اليأس.
[٦٤] . الوَهْن: الضعف.
[٦٥] . أسْلَف: قدم.
[٦٦] . سَوّفَ: أخّر.
[٦٧] . عَرَتْه مِحْنَة: عَرَضت له مصيبة ونزلت به.
[٦٨] . انفَرَج عنها: انخلع وبَعُدَ.
[٦٩] . شرائط الملّة: الثبات والصبر، والاستعانة بالله.
[٧٠] . العِبْرة ـ بالكسر ـ: تنبّه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه.
[٧١] . أدَلّ على أقرانه: استعلى عليهم.
[٧٢] . الغُنْم ـ بالضم ـ: الغنيمة.
[٧٣] . المَغْرَم: الغرامة.
[٧٤] . بادره: عاجله قبل أن يذهب.
[٧٥] . الفَوْت: فوات الفرصة وانقضاؤها.
[٧٦] . اعْتَصِموا: تحصّنوا.
[٧٧] . الذِمَم: العهود.
[٧٨] . الاوتاد: جمع وَتِد، وهو ما رُزّ في الارض أو الحائط من خشب، ويريد بالاوتاد ـ هنا ـ الرجال أهل النجدة الذين يوفون بها.
[٧٩] . من لا تُعْذَرُون بجهالَتِه أي: عليكم بطاعة عاقل لاتكون له جهالة تعتذرون بها عند البراءة من عيب السقوط في مخاطر أعماله فيقل عذركم في اتباعه.
[٨٠] . بُصّرْتُم إن أبْصرْتم أي: إن كانت لكم أبصار فأبصروا.
****************************